09 - 05 - 2025

عجايب غراب أبيض | بصراحة الناس"كفرانه"

عجايب غراب أبيض | بصراحة الناس

عدت من جولة في المنصورة ورأس البر وبورسعيد، ثلاث مدن تتقدم حظوظ التنمية مقارنة بغيرها في عموم مصر، وبخاصة الصعيد. ولما تحدثت مع من هم خارج دوائر الأصدقاء وزملاء المهنة والمثقفين والنخبة، وجدت الناس بصراحة "كفرانه". تعي أنها في مصيدة خوف وجوع، وبلا أمل في انتخابات تعرفها بلاد الله خلق الله، و أنه لا أفق لتغيير بالتداول السلمي للسلطة أو لوقف التدهور والمعاناة.

بعد العودة للقاهرة، وجدت ردود الفعل بين الناس في الأماكن، والمواصلات التي كانت عامة، فاترة باردة إزاء إعلان الزيادات على الحد الأدنى للأجور والمعاشات. يقولون مثلا: وماذا تفعل 300 من الجنيهات شهريا؟. وإذا كانت اليوم عاجزة عن شراء كيلو لحم واحد، فما أدراك بالغد؟.. وآه من الغد. 

صحيح الناس جوعى خائفة، لكنها تأخذ في الوعي بأنها محرومة من الانتخاب الحر وبعواقب هذا الحرمان على العيش والمعيشة، وبأن طبقة نهمة تتفاخر بسفهها تنمو بتوحش خلال السنوات الأخيرة داخل وحول جهاز السلطة / النظام / الدولة. ومع كل لسعة غلاء  كافر يستدعى الناس وقائع وحكايات لاتسر عدوا أو حبيبا عن المزيد من بناء القصور الفخمة الفسيحة وشراء الطائرات الفاخرة الرئاسية وغيرها من غرائب. وحتى حديث "الإنجازات" من طرق وكباري، لم يعد يجدي، فلا هي تؤكل أو تعالج أو تعلم أو تنتج أو تجلب استثمارا يستحق، أو تمنع بيعا لمقدرات البلاد وتفريطا في مكانتها وسحقا لكرامتها. 

 لم يصل الناس الذين تحدثت معهم خلال هذه الأيام بعد إلى الاكتشاف والاعتقاد بما استقر في أوروبا منذ قرنين ويزيد بأن "لا ضرائب بدون تمثيل"، أي بدون برلمان وحكومة منتخبين بحرية وبحق. وهذا مع أن الضرائب غير المباشرة (المبيعات) والمباشرةعندنا مزقت ما تبقى من نسيج ستر لجيوب بالأصل مثقوبة أو مرقعة. لكن المثير هذه المرة هو الوعي  بأن الجائع الخائف أو من في الطريق سيتحمل في نهاية السلسلة تمويل حملة الرئيس الانتخابية لفترة ثالثة. يقول الناس: صحيح أن رجال الأعمال والتجار "سيدفعون سيدفعون"، لكن المجبرين أو المتبرعين الأكارم لابد أن يستعيدوا كل مليم وزيادة من ضحايا المصيدة الأكثر فقرا وخوفا. وهذا جراء المزيد من انفلات وتوحش الأسواق، وغياب أي رقابة على الأسعار وغيرها من حقوق للمستهلك.

 تبدو البلاد اليوم منهكة أو ميتة، ملقاة تحت أحذية الجوع والفقر. ويظن البعض أن هذا المزيج وصفة سحرية لسد الطرق أمام يناير آخر. إلا أنه مزيج مؤكد العواقب. تماما كوضع النار بجوار البنزين.. لوتعلمون.

وعجايب!
------------------------------
بقلم: كارم يحيى

مقالات اخرى للكاتب

عجايب غراب أبيض | ظاهرة الكراسي المقلوبة